بالرغم من أهمية المبيدات الحشرية في حياة الإنسان، إلا أنها تشكل خطرا حقيقيا على صحة الإنسان و سلامته، المقال التالي يتناول تاريخ اكتشاف واختراع الإنسان لتلك المبيدات وفوائدها ومخاطرها علينا.
يطلق تعبير (المبيدات ) على المادة الكيميائية التي تقتل أو تمنع أو تحد من تكاثر وانتشار الكائنات الحية التي تنافس الإنسان في غذائه وممتلكاته وصحته
والمبيدات شأنها شأن المدخلات الزراعية الأخرى مثل التسميد والمكننة الزراعية وغيرها،تفيد في زيادة الإنتاج، ومن المعروف أنه في السنوات الأخيرة صار حوالي 56% من سكان العالم يعانون من نقص الغذاء وتزداد هذه النسبة إلى حوالي 79% في دول العالم الثالث، ومع زيادة سكان العالم المضطردة، تطلب الأمر زيادة الإنتاج الزراعي، وتعتبر المبيدات الكيميائية إحدى الوسائل الحديثة التي تعمل على زيادة الإنتاج فبالإضافة إلى دورها الكبير في الحد أو القضاء على عدد كبير من الآفات الضارة بالنباتات، فهي أيضاً قادرة على القضاء على الحشرات الناقلة للأمراض .
نظرة تاريخية لاستخدامات المبيدات الحشرية
هذا وقد استخدم الإنسان منذ القدم أنواعا من المبيدات الحشرية لزيادة الإنتاج الزراعي فقد استخدم الصينيون مبيدات للحشرات تتألف من الكلس والرماد وخلاصات نباتية، وذلك سنة 1200 ق.م، كما استخدموا الزرنيخ للغرض نفسه كما تم استخدام نبات التبغ لمقاومة بق الكمثرى، وكذلك عرف الفرس البيرثيوم (المستخرج من نبات الكرايزين)، واستخدموه على نطاق واسع كمبيد حشري .
وفى عام 1874م تمكن العالم الألماني زيدلر من تحضير مركب الـ د.د.ت بالإضافة إلى مجموعة مركبات أخرى ذات فعالية كبيرة، وقد عرفت فاعلية المبيد الحشري الـ د.د.ت على الآفات الزراعية، وعلى الحشرات الناقلة للأمراض مثل البعوض وغيره بعد حوالي 65 سنة من اكتشافه، وذلك بواسطة أحد الباحثين السويسريين، وقد حضر هذه المادة، وكشف عن أهميتها العالم بايل مولار عام 1939م في مصانع جى جى بسويسرا ونال عليها جائزة نوبل عام 1948م وبذلك بدأ انتشارها وازدادت إنتاجيتها حتى وصل إنتاج العالم في سنة 1970م إلى 1500 ألف طن.
وفى نهاية عام 1985م وصل الإنتاج إلى 2500 ألف طن، ويعتبر إنتاج المبيدات الحشرية آنذاك المنقذ الفعال من مختلف الآفات الحشرية التي تضر بالإنسان وحيواناته بل ونباتاته، ولكن للأسف فكثيراً ما كان لها نتائج خطيرة خاصة وأن تحللها بطئ، وبالتالي يزداد تركيزها من عام إلى عام سواء في التربة أو الماء أو أجسام الكائنات الحية لدرجة أن الكثير من الباحثين يعتبرون أن الوسط أصبح ملوثاً بهذه المبيدات الكيميائية، وكان أول من أشار إلى خطر هذه المواد هو Salman عام 1953م و Ripper عام 1969م.
إن هذه الملوثات التي تصيب الأرض سيمتد مفعولها لعقود أو قرون وقد تغلغلت في المأكل والمشرب والتربة والمياه والهواء بعدما ألقينا بكل مظاهر الحياة في التهلكة البيئية لنصلى بجحيمها جيلا بعد جيل ،لأن إسرافنا في ظهور هذه الملوثات ليس له حد أو مدي يقف عنده حيث أصبح يهدد الموروث الحضاري والجيني لكل الكائنات .
وقد أحدثت الملوثات خلال القرن الماضي ما لم يحدث منذ ملايين السنين منذ أن ظهرت الحياة فوق الأرض حتى الفضاء الخارجي إنتهكناه و لوثناه بعدما كان نقيا . ولن نرجع الطبيعة لسيرتها الأولي من الطهر البيئي سواء في الغابات أو البحار والمحيطات أو حتى في السلالات البشرية أو الحيوانية أو النباتية . ولن نعيد للطبيعة طهارتها ونقاوتها. وقد اخترت الملوثات المجهولة لنلقي الضوء عليها لنكون علي بينة من أمرها وأمرنا ولاسيما وأن البشر يتصايحون للعودة للطبيعة بعد فوات الأوان ولكن هذه الصيحات تبدد سدي ولا مجيب لها في محيط التلوث العالمي الصاخب . ويمثل البحر الأبيض المتوسط 1%من مساحات المحيطات فوق الأرض .إلا أنه يضخ به 50%من كمية التلوث البحري العالمي وملوثاته أشد خطرا علي كائناته وعلي الإنسان نفسه .
مادة تراي بيوتيل تي TBT) )
وجد أن السفن والقوارب التي تجوب بحار العالم تدهن بدهانات فيها مادة تراي بيوتيل تي (TBT) ، ووجد أن هذه المادة تقتل الأطوم البحري وبلح البحر وتغير العضو الجنسي في حلزونيات الكلب الكبيرة (كائن بحري). ووجد أن المبيدات الحشرية التي تصبها الأنهار والمصارف في البحار والبحيرات لها تأثيرها السيئ علي الكائنات الحية . ففي منابع أعالي نهر النيل وجد أن هذه المبيدات بمياه الصرف في البحيرات العظمي قد قتلت الأسماك بها وقتلت الطيور التي تعيش علي هذه الأسماك . وفي مياه بحر البلطيق قتلت عجول البحر (الفقمة) و في خور مياه خليج (سانت لورانس) قتلت الحيتان وكلاب البحر وطائر صقر شاهين وهذا سببه رسوبيات المبيدات الحشرية في مياهه .
وقد تسببت هذه المياه الملوثة في ظهور عيوب خلقية في الأجنة والموت أحيانا وضمور بالأعضاء التناسلية والعقم . ونجد أن الكلورين ومشتقاته العضوية التي تدخل في صناعة البلاستيك والمبيدات الحشرية وغيرها من الكيماويات التي تدخل في الصناعة.و يسبب معظمها السرطانات و خفض معدل إفراز الحيوانات المنوية وسرطانات الرحم وتشويه الأجنة ونقص المناعة .
مادة المثيل باراثيون السامة جدا
وكانت أسرة أمريكية تعاني من أمراض البرد التي أخذت تظهر عليها باستمرار ، وظلت تعاني من هذه الحالة المرضية لعدة شهور ، وظنت الأم أن ثمة فيروسا يعاودهم بعدما أصيبت به قطتها وماتت، إلا أنها لاحظت أن جدران بيتها ملطخة باللون الأصفر ، وكان هذا التلطيخ قد ظهر بعد رش البيت بالمبيدات بواسطة إحدى شركات مكافحة الحشرات المنزلية . ونفس الشيء ظهر بالكنيسة المجاورة والتي قامت نفس الشركة برشها من قبل .
وكل هذه المظاهر الغير عادية أو مألوفة التي تعاقبت سواء موت القطة ومرض العائلة وتلطيخ جدران البيت والكنيسة ، كل هذا أوحي للأم بأن شيئا ما يحدث حولها ، فطلبت المسئولين عن البيئة . وأخذوا عينات وفحصوها معمليا ، وبعد ثلاثة أيام أبلغوها بالنتيجة وطلبوا منهم مغادرة البيت فورا مع ترك كل شيء كما هو ولا يمس شيء في البيت حتى الملابس يتركونها ، فلقد بينت الأبحاث بأن البيت ملوث بمادة المثيل باراثيون السامة جدا والمبيدة القوية للحشرات ومحرم إستخدامها دوليا ما عدا في أمريكا لإبادة دودة القطن (وللعلم هذه المادة تستخدم في مصر لهذا الغرض).
وهذا المبيد لم تصرح به السلطات ليستعمل كمبيد للحشرات المنزلية أو في البيوت تحت أي ظرف، وكانت الشركة قد رشت مئات المنازل بهذا المبيد .فتم إحصاؤها و إخلاؤها فورا ولا يعرف حتى الآن تأثير هذه المادة علي صحتهم علي المدى الطويل .
حقيقة هذا الحادث مروع إلا أن استخدام المبيدات الحشرية المنزلية شائع في كل أنحاء العالم . وتنهال آلاف البلاغات والتقارير حول حوادثها المروعة علي السلطات سنويا ، فلقد سجلت في ولاية فلوريدا الأمريكية وحدها مئات الحالات المرضية والتسممية والوفيات من هذه المبيدات حسب إحصائية وكالة البيئة الأمريكية .
لكن ما هي الاحتياطات والتحذيرات التي يجب معرفتها نتيجة لطول استخدام هذه المبيدات ولاسيما وأنها تلوث الأطعمة ومياه الشرب والتربة والبيئة بصفة عامة التي نعيش بها ؟.
بحسب تقرير قسم المبيدات والمواد السامة بوكالة البيئة الأمريكية، نجد أن 15مليون كيلوجرام من مبيدات الحشرات والحشائش تستخدم سنويا في زراعة المحاصيل ورش البيوت والمدارس والحدائق العامة والخاصة والمكاتب وغيرها .
وهناك سموم الفئران التي نضعها في بيوتنا وحدائقنا علاوة على المواد القاتلة للبكتريا والمبيضة والمطهرة لمياه أحواض السباحة . لهذا فنحن معرضون فعلا لمواد كيماوية قاتلة وشديدة الخطورة علي الصحة العامة أكثر مما نتصور. وتعرضنا لها جعلنا أكثر عرضة للسرطانات والربو وتشوه الأجنة والمشاكل الإنجابية وتلف الأجهزة العصبية والمناعية .
وتصرفنا الإحصائيات الطبية حول أسباب الوفيات عن الالتفات لتأثير المبيدات على ظهور حالات السرطان والعوامل المميتة الأخرى . لكن الأبحاث أظهرت أن المبيدات قد تكون أكثر إتلافا في أجسامنا وأكثر مما نتصوره. فالآن علماء البيئة عيونهم على الكيماويات التي يطلق عليها متلفات الغدد الصماء ، فلقد بينت الأبحاث أن هذه الكيماويات تتدخل في آلية إفراز الهرمونات ،لأن مفعولها طويل الأمد ، مما أظهر مشاكل إنجابية وإخصابية أثرت على الأحياء والحياة البرية . وهذا الخلل الهرموني يولد معدلات أعلي من سرطان الثدي وقلة الحيوانات المنوية . كما يؤثر علي ذكاء الأطفال وتغيير سلوكهم ، لهذا وضعت وكالة البيئة الأمريكية علي قائمة أولوياتها هذه الآثار علي الغدد الصماء التي تفرز الهرمونات .
لا يوجد مبيدات آمنة
في الولايات المتحدة الأمريكية نجد السدود تعترض مجاري الأنهار وتحتجز المياه العذبة خلفها. مما جعل هذه الأنهار بحيرات مغلقة تتعرض للتلوث العضوي بالمبيدات .وتتركز بها السموم مما جعلها تهدد الحياة و الأعشاب المائية . وهذا ما دفع السلطات تطلق مياه فيضاناتها سنويا للتخلص من هذا التلوث الذي ينتقل لمياه الري والشرب لتضر الإنسان والحيوان والنبات .
ورغم كل هذا ، لا يوجد لدينا معلومات كافية عن أضرار هذه المبيدات وتأثيرها على الإنسان ، لكن الخبراء ينصحون بعدم التعرض لها . لأنه لا يوجد مبيدات آمنة ، مما جعل وكالة البيئة الأمريكية تشدد على مراجعة الدراسات التي قدمتها الشركات المنتجة للمبيدات ، وتقوم بإجراء تجارب بيئية قبل السماح بتداولها بعد التأكد بأن كل مبيد ليس له آثار أو أضرار بيئية ضارة ، كما وضعت ضوابط مشددة وصارمة على شركات الرش حتى لا تستخدم مبيدات محرمة .
ومن ناحية أخرى من المعروف أن كل أنواع المبيدات لا تبقي في المكان الذي ترش به ، فقد تتسرب من خلال تعلقها بالأحذية إلى السجاد وداخل البيوت من الحدائق العامة والحشائش وتظل رواسبها لمدة عام بالبيت أو المكان .
وفي حالة رش الحقول والمزروعات نجد أن 50 –70% من كمياتها تذروها الرياح متخطية المحاصيل المستهدفة لتحط فوق محاصيل أخري أو فوق التربة ومياه الشرب والبيوت وهذا ما يطلق عليه نظرية زحزحة المبيدات.
في الحقيقة إن الدول المنتجة تصدر سنويا آلاف الأطنان من المبيدات المحرمة بها إلا أنها تستوردها ثانية في شكل محاصيل وأطعمة ملوثة بها رغم ما يضاف عليها من مواد مخففة وغير فعالة كما يقال . ومن بينها مواد أكثر خطورة من المبيد ذاته .
وهناك طرق تجعلنا نتعرض لهذه المبيدات ، من بينها استنشاقها أو ملامستها للجلد أو نتيجة وجودها بالجو أو الماء أو الطعام ، وتتراكم في أجسامنا وأنسجتنا الدهنية لسنوات بل لعقود من حياتنا ، وقد لا يظهر آثارها ظاهريا أو سريعا . فمبيد الـ ددت الشهير (DDT ) والذي حرم استخدامه دوليا منذ عام 1972 ، مازال في الأسماك البحرية ومازال يدر في ألبان الأمهات الرضع حتى الآن .
والأطفال أكثر عرضة للمواد السامة لأنهم يستهلكون كميات كبيرة من الطعام لنمو أجسامهم وللقيام بأنشطتهم ، وهذه النسبة مقدرة بالنسبة لضآلة أجسامهم مقارنة بأجسام الكبار .
ولم تكن وكالة حماية البيئة الأمريكية تضعهم في الحسبان عندما قدرت رواسب المبيدات الحشرية والحشائشية التي يتحملها الإنسان بجسمه والتي تعتبر معدلات آمنة لها . والأطفال معرضون للمبيدات بشتى الطرق ولاسيما في أطعمتهم التي يتناولونها ، فلقد اكتشفت علاقة وثيقة بين هذه المبيدات ولاسيما مبيدات (دايكلوروفوسفور)التي تسبب لهم ظهور سرطانات الدم (اللوكيميا)، وهذه المبيدات يستنشقونها في شرائط طرد الذباب والبعوض التي تنفث أبخرتها بالجو وتوضع بالمنازل والمكاتب وحجرات النوم . كما وجدت علاقة وثيقة بين سرطان الخصية والمبيدات التي ترش .
وهذه الملوثات المجهولة تصيب الأطفال الأبرياء في كل مراحل نموهم ، وبعض المبيدات الحشرية المنزلية ومبيدات القمل التي تباع كأدوية بالصيدليات نجدها تحتوي علي مواد من نفس مجموعة غاز الأعصاب (سيرين) الذي يستخدم في الحرب الكيماوية ومحظور استخدامها دوليا .
ومن بين هذه المبيدات سائل الملاثيون والديازينون والمثيل باراثيون ، ويطلق على هذه المجموعة مبيدات الفوسفات العضوية ، وهي تتدخل في عمل إنزيم (كولينستراز ) الذي يدير عمل الجهاز العصبي في أجسام الإنسان والحيوان والحشرات ، إلا أن هذه الفوسفات العضوية تستخدم بكميات أقل مما في غاز الأعصاب ، لهذا لا يظهر تأثيرها بسرعة إلا أنه لا يعرف تأثيرها علي المدى الطويل . والآن يعرف 21 ألف نوع من المبيدات الحشرية ومعظمها لم يقيم صحيا وبيئيا .
وبقي سؤال ملح وهو كيف نقلل التعرض لأخطار هذه المبيدات ؟
هناك عدة نصائح وقائية من بينها أكل الفاكهة والخضروات في مواسمها وتغسل جيدا في مياه جارية لمدة كافية ولا تغسل بالمنظفات الصناعية ، ثم تقشر ولاسيما الثمار التي لها قشرة ثم تغسل جيدا بالماء أو تنقع فيه ، لأن بعض الثمار مغطاة بطبقة شمعية للتصدير وقد يكون بها مواد مضادة للفطريات لحفظها طويلا من التلف أو العفن ، وليس الهدف كما يبدو لأول وهلة تلميعها .
وفي اللحوم والأسماك نتجنب الدهون بها ، لأن المبيدات تذوب بهذه الدهون وتظل طويلا ، وأهم من هذا كله سؤال الجيران متى سيرشون بيوتهم أو حديقتهم أو زراعاتهم ليبعدوا الأطفال إلى مكان بعيد آمن .
كما وجد أن أشجار التفاح ترش عادة بمادة الدامينوزيد التي تذوب في التفاحة لتتخلخل لقلبها عبر القشرة ولا يمكن إزالتها منها حتى بالغسيل أو التقشير، وهذه المادة مسرطنة .